مرحبا بكم في مدونة عاصم محمد عبدالحميد
الاستقامة
"قل آمنتُ بالله ثم استقم"
"قل آمنتُ بالله ثم استقم"
الاستقامة، وما أدراك ما الاستقامة، ثم ما أدراك ما الاستقامة، إنها أس الديانة، وسبيل السلامة، إذ هي أكبر كرامة في الدنيا، المفضية إلى الكرامة الأبدية وهي الجنة: "فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ".
لأئمة الدين في تعريف الاستقامة وحدها ألفاظ وأقوال مختلفة، ذات دلالة واحدة، والأقوال هي:
الاستقامة من الكلمات الجامعة المانعة، كالبر، والخير، والعبادة، فلها تعلق بالقول، والفعل، والاعتقاد.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: (هذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها: اعتدلوا على طاعة الله، عقداً، وقولاً، وفعلاً، وداوموا على ذلك.
وقال ابن القيم رحمه الله: فالاستقامة كلمة جامعة، آخذة بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء.
والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال، والأحوال، والنيات، فالاستقامة فيها، وقوعها لله، وبالله، وعلى أمر الله).
أولاً: الإيمان الصادق بالله عز وجل.
ثانياً: الاتباع الكامل والاقتداء التام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"، قال: أخلصه وأصوبه؛ قيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: أن يكون العمل خالصاً لله عز وجل، وموافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أوكما قال.
لقد حث الله على الاستقامة، وأمر بها عباده، وكذلك حض عليها نبيه صلى الله عليه وسلم، من ذلك:
- قوله تعالى: "اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ".
وقوله: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ".
وقوله: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".
وقال مخاطباً الرسول وأمته: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: "قل آمنتُ بالله ثم استقم".
الاستقامة على أمر الله نعمة عظيمة، ودرجة رفيعة، ومنة عالية، فتحقيقها يحتاج إلى جد، واجتهاد، وصبر، واحتساب، ودعاء، وتضرع، وإخبات، وتوفيق، واحتراز.
أهم المعينات على تحقيق ذلك بعد توفيق الله عز وجل ما يأتي:
أولاً: الدعاء والتضرع، وسؤالها بجد وإخلاص، ولأهمية ذلك أمرنا بقراءة الفاتحة في كل ركعة، لما فيها من سؤال الصراط المستقيم المخالف لأصحاب الجحيم.
فالدعاء هو العبادة، وهو سلاح المستضعفين، وعدة الصالحين، ولا يعجز عنه إلا المخذولين، فالله سبحانه وتعالى مالك الهداية والاستقامة، فلا تُطلب إلا من مالكها.
ثانياً: الاشتغال بالعلم الشرعي، فالعلم قائد والعمل تبع له: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ"، فأمر بالعلم قبل العمل.
فقد روي مرفوعاً وموقوفاً كما قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "من فاته الليل أن يكابده، وبخل بماله أن ينفقه، وجبن عن عدوه أن يقاتله، فليكثر من "سبحان الله وبحمده"، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب أوفضة ينفقه في سبيل الله عز جل".
الثاني عشر: الحرص على معاشرة الأخيار، فالمرء على دين خليله، والطيورعلى أشكالها تقع، "الأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ".
الرابع عشر: القناعة بما قسم الله، والرضا بذلك، والنظر إلى من هو دونك وليس إلى من هو أرفع منك في شأن الدنيا، أما في شأن الدين: "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".
ما أكثر ثمار الاستقامة، وما أجل نتائجها، وما أفضل عقباها، نسوق منها ما يلي، إذ العبرة بالخواتيم:
1. السعادة في الدنيا.
فلستُ أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيــد
2. نزول ملائكة الرحمة على المستقيمين عند الموت مطمئنة ومثبتة لهم، ومبشرة إياهم: "أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا"، أي لا تخافوا الموت، ولا تحزنوا على أولادكم.
5. دخل الجنة دار الكرامة والمقامة: "لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ".